مقالاتمنوعات

جملة مفيدة: ما الذي حدث.. وما الذي سيحدث؟

بوجيز القول، سجل يوم الثلاثين من آب نفسه كطور جديد في مجرى الصراع داخل البيت (السياسي) الشيعي الذي شاء العقدان الاخيران من عمر الدولة العراقية ان يكون هذا البيت ساحة لأزمة نظام ما بعد 2003 ومحطة اختبار لسلامة عقيدته القائمة على حكم احزاب «المكونات» وفقا لحجومها،

في وقت خرجت تلك المكونات تباعا على الطاعة عبر عصيانات واشكال تمرد متباينة، وفي هذا اليوم سقط التحريم الافتراضي للقتال الشيعي- الشيعي بين الفريقين، الاصلاحي المتمثل بالتيار الذي يقوده مقتدى الصدر، والمحافظ بقيادة المالكي وحلفائه، وشهدنا خلاله محاولات كسر شوكة الآخر في خاصرة الدولة «المنطقة الخضراء» قبل ان توقظ الحكمة (ربما مؤقتا) محاذير استبدال الفعل السلمي بنقيضه المسلح.

ما حدث، في مقدماته وتضاعيفه، معروف للعالم بالتفاصيل، لكن الامر الذي لم يكن تحت الرصد كفاية، هو الاتفاق غير المعلن (وربما اتفاق جنتلمان) بين ايران والولايات المتحدة بالحيلولة دون ايصال الصراع بين الجانبين الى المواجهة المسلحة، ومنع حسم الصراع لصالح طرف منهما، وايضا الاتفاق (وهذه المرة: المعلن) على ابقاء عقيدة المحاصصة التوافقية قاعدة للحكم، ضمانا لكي يبقى العراق دولة ضعيفة، مهشمة، بوظيفة ساعي بريد، او مختبر (مجسّ ميداني) لمعرفة نيات الدول المجاورة والكبرى حيال بعضها البعض.

لكن الامر الذي بقي يحيّر المراقبين والمواطن العراقي، معاً، هو غموض وتضارب المؤشرات حيال ما تضمره الايام القادمة من أحداث، مع عجز إدارتي تصريف الاعمال الدستوريتين، الحكومة ورئاسة الجمهورية، وتجريد رئاسة البرلمان من اختصاص طبخ الصفقات وخطوات الحل، الى جانب سقوط المرجعية القضائية في ظنة التحيز الى طرف من اطراف الازمة، واستحالة الترخيص الجمعي لها للاحلال كحكومة مؤقتة بوظيفة اجراء انتخابات مبكرة، أو حكومة طوارئ تبعد البلاد عن خطر الحرب الاهلية ريثما يجري اعتماد مشروع معافاة الاوضاع..

المفارقة اللافتة ان تحالف الاطار التنسيقي (المحافظ) الذي يستفرد (الآن) بمشيئة البرلمان وقراراته، وبسياقات تشكيل الحكومة لا يدير سوى جزء من فروض هذه الحقيقة، ولا يتحكم في سلطة القرار السياسي التي باتت في متناول يده، فيما بقيت الانظار و(تلابيب اللعبة) معلقة على باب الحنانة في النجف، برغم اعلان السيد الصدر اعتزاله النهائي للعمل السياسي، والزام انصاره بالانسحاب من خطوط التماس الى منازلهم، حيث بدأت تتجمع، في قلب هذه المفارقة، مقدمات لهزة غير مسيطر عليها (يتوقع بعد زيارة الاربعين) تدكّ المعادلات والتحالفات والبيوتات.

وباستثناء المناشدات الوعظية، الانشائية، للحوار بين المتصارعين، فان المراقب الموضوعي لا يجد مناشدة واحدة تتجه الى جوهر الازمة والخلافات الاساسية بين الفريقين، والى ما ينزع فتيل برميل البارود الملاييني القابل للانفجار في اي وقت، فيما يتكرر التدليس والتغافل عن مأزق النظام السياسي، في لغة الادعية والتمنيات والحضّ على بوس اللحى وتسوية «الزعل» بين الساسة والعودة الى محاصصة ملطفة محمولة على وعود خلابة، الامر الذي لا يعني إلا شيئا واحدا هو ان اصحاب أوهام الحكم بواسطة السلاح والمليشيات والتخويف الطائفي لم يقرأوا جيدا رسالة الدماء التي سُفكت عند مفارق المنطقة الخضراء في الثلاثين من آب الماضي، وبعدها لم يتفاعلوا بكفاية من المسؤولية والتحسّب، مع مبادرة الصدر إخلاء الطريق امامهم الى السلطة، وكان المفترض ان يردوا عليها بخطوات مماثلة، في الاقل.

والحال، فان ما سيحدث، غداً، ليس بالضرورة من جنس ما حدث بالامس، اشير هنا الى تقويم الزلزال التشريني.. وان غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى