ياسر بهيج : رائعة متجوزين واللا…؟ مسرحية جذابة تجمع كل نكهات العمل المسرحي
متابعة : ماهر بدر
بعد غياب 5 سنوات :
أنا .. وناصر عبدالحفيظ ورائعة “متجوزين .. واللا ؟!”
تخيّل أنك ترى في أقل من 48 ساعة؛ أكثر من عزيز غال، فأمس الأول الأربعاء؛ التقيت الشاعر الرهيف الدكتور أحمد الجعفري، في أمسية “السيرة الهلالية” بالمسرح الصغير بالأوبرا؛ لقاء غاب عني أكثر من 10 سنوات، ومساء أمس الأول؛ وصلتني دعوة كريمة من زملاء الكفاح في حقل الثقافة المصرية والعربية ، الكاتب الصحفي المؤلف والمخرج المسرحي القدير، الإنسان ناصر_عبدالحفيظ، وزوجته الكاتبة الصحفية ذات القلب الأبيض أسماء_عفيفي ؛ لحضور عرضهم المسرحي الغنائي الاستعراضي “متجوزين وللا .. ؟!” في مسرح نقابة الصحفيين؛ ووجدتها فرصة لألتقيهم، وأسعد برؤيتهم رؤى العين، بعد أن تقطعت بي وبهم السبل، بسبب مطحنة الحياة، بعد خروجي من عالم الثقافة الثري، الذي عشت فيه طويلًا مُحررًا للأهرام، منذ ما يقارب 5 سنوات كاملة.
أعددت العُدة، وعزمت على الحضور، ومشاهدة العرض، خاصة بعد أن تكاسلت كل تلك السنين الماضية، عن حضور دعوات كثيرة لهما، والقلب تملؤه فرحة، وشغف، برؤية الغاليين، ناصر، وزوجته، اللذين لم يكونا لي مجرد زميلي مهنة، فقط؛ بل كنت أعتبرهما أجمل صديقين، وشقيقين، بفضل العلاقات الإنسانية الطيبة، التي نسجت الحُب في قلوبنا، خلال أنشطة وزارة الثقافة، في المحافظات المختلفة، حيث جمعتنا فعاليات وأنشطة ورحلات كثيرة ، كُنّا نحمل فيها هموم “الثقافة” المصرية ، في زمنها الجميل.ولازلنا
وقبل العرض بيوم، هاتفت أسماء، لأؤكد حضوري، فكانت المفاجأة أن أخبرتني، بنقل العرض، من مسرح النقابة، إلى قاعة نجيب محفوظ، برعاية مباركة من الكاتب الصحفي الكبير الاستاذ عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام فكانت فرحتي أكثر أنهم جاؤو في بيتي الأهرام، لتغمرني السعادة أكثر، وأتهيأ للقاء.
وفي الموعد؛ في التاسعة من مساء أمس الخميس، كنت حاضرًا بالقاعة، أشاهد المسرحية، ونجوم فرقة المسرح المصري ، التي أسسها ناصر بجهوده الذاتية، وتعب عليها كثيرًا، من خلال تدريب الشباب، وضم نجوم إليها.
اخترت أحد المقاعد في الصفوف الخلفية الهادئة، بعيدًا عن زحام الأمامية، وكلي شغف لأن أرى ناصر، بعد كل هذه السنين، وأشاهد هذا العرض، خاصة بعد أن فاتني العرض السابق الذي استمر لثمان مواسم ويستعد للموسم التاسع برائعة مسرحية “وجوه”، واستغرقت في المشاهدة، لدرجة أنني لم ألتفت حولي، ولم أشعر بنفسي، وانفصلت عن العالم.
3 ساعات كاملة، شاهدت فيها جرعة مكثفة من الكوميديا الهادفة الراقية، لم أكف فيها عن الضحك، مع كل مشهد من مشاهد المسرحية، وأبطالها الموهوبين حقًا، وخفة دمهم، التي غطت كل أرجاء المسرح، بفضل السيناريو الخفيف اللطيف للمؤلف، الذي أجاد، من خلال حواراته الثرية المدهشة السهلة الممتنعه الخفيفة المضحكة، في جذب انتباهنا، بشدة، حتى لم تفارق أعين كل جمهور العرض خشبة العرض، ولم تتوقف أكفهم عن التصفيق، ومع كل مشهد يزداد نهم الجمهور للمزيد من المشاهد، حتى بلغنا 16 مشهدًا، وقد انتصف الليل، دون أن نشعر بمرور الوقت سريعًا.
عرض كوميدي غنائي استعراضي، ممتع للغاية، بحث مشاكل الطلاق، وتيبس العلاقات الزوجية، بمنتهى النعومة، والبساطة، بمشاهد من الواقع الحقيقي، سلطت الضوء على عادات سلبية مصرية خالصة تعانيها الحياة الزوجية بين المصريين، ومن كل مكان على أرض مصر، بحري كان أو قبلي، وكان الفصل بين المشاهد ببعض مقاطع الحب في أغاني كوكب الشرق، سيدة الغناء العربي أم كلثوم، لتصحيح المعتقدات الخاطئة بين الأزواج المصريين، عبقريًّا للغاية، وزادت العرض جمالًا، وأبدعت في غنائها المطربة المتمكنة نهلة خليل التي إستطاعت أن تستحضر السيدة أم كلثوم علي خشبة المسرح بدرجة لايصدقها العقل ؛و بصوتها العذب الرخيم.
أداء فريق العمل كان انسيابيًّا، ومتناسقًا للغاية، من السيناريو، للأداء التمثيلي، إلى الإخراج، وتميز الممثلون بخفة الحركة على المسرح، والتفاعل مع الجمهور، بفضل لفتات ناصر، وحركته الدؤوبه بين الجمهور، أثناء المشاهد، وحثهم على تبادل التفاعل مع الممثلين، وهي ما يتميز بها دومًا في كل عروضه، ويزيد بها المتعة، والتشويق، وقد أعجبتني كثيرًا.
إخراج ناصر للعرض كان ناعمًا للغاية، أتاح الحرية لفريقه يصول، ويجول بدونه على الخشبة دون قيود، وترك لهم أغلب المشاهد، فلم يشارك إلا في القليل منها ولكن كانت مشاهد محورية رئيسة؛ أضفى عليها بأدائه الطبيعي السلس، وبراعة تقمصه للشخصيات، وروحه المرحة، فنقل الثقة إلى جميع أفراد الفريق، فانطلقوا يتنافسون في الأداء على المسرح، سواء المخضرمين منهم، أو الشباب، لم يشعروا بأنهم على خشبة مسرح، وأمام جمهور، وقدم من خلالهم نهايات سعيدة لمشاكل الزواج، والطلاق في مصر بشكل بديع راق للجمهور.
كل الممثلين بلا استثناء ظهروا في حالة اندماج رائع مع فكرة المسرحية، فانعكس ذلك جليًّا على الجمهور، بشدة التركيز مع الأحداث، وأعجبتني كثيرًا الفواصل المُغنّاه الراقصة في بعض المشاهد، وفي الختام؛ التي برع في غنائها المطربة مروة فرحات الصوت الحنون الذي كان أشبه بالسحر الذي ينقلنا من مشهد إلي آخر ؛ إذ أشاعت بصوتها الشجي؛ جوًا من البهجة والمرح، وحالة من السعادة في نفوس المشاهدين.
وبرز من نجوم الفريق، النجم الفنان القدير محمّدْ_نصّار، الذي حمل العرض كله على عاتقه، وأبهرني بقدراته التمثيلية العالية، التي لا تقل عن نجوم الشباك، وعبقريته في التجسيد، حتى أننا لم نتوقف عن الضحك، مع كل حركاته، وتلون صوته، على المسرح،
وتأتي من بعده الفراشة النجمة رشامرجان، التي سحرتنا بجمالها، ورشاقتها، وخفتها، وكانت خطواتها، وكأنها راقصة باليه محترفة، تطير بخفة الفراشة، فأحسسنا أننا نطير معها، ومزجت ذلك بإحساسها الرهيف، وتعبيراتها المثالية لكل شخصياتها، وبسمتها الجذابة التي خلبت ألبابنا، فعشنا معها تفاصيل كل شخصية؛ الزوجة الشعبية، و”الكلاس”.
أما النجمة المتمكنة لبنى الشيخ؛ فهي حدوتة مسرحية تم توظيفها بشكل جديد ومختلف وكانت الكوميديا ثوبا جديدا عبقريا لها ، كانت شعلة مضيئة في العرض، طاقة لا حدود لها في الحركة، والأداء، والتعبير، والإحساس بالشخصية، وتميزت بصوتها القوي الواضح، الذي مكنها مع براعتها في التقمص، في توصيل الرسالة المرادة من كل شخصية جسدتها، للجمهور، وأكدت بجلاء أن إمكاناتها التمثيلية لا تقل عن نجوم الصف الاول.
وكان الفنان عمرو أصلان نجمًا بارزًا من نجوم العرض، بجانب النجوم السابقين، إذ أبدع في استغلال ملامحه السمراء المصرية الأصيلة المُحببة للعين، وشكله الجسماني بتفاصيله؛ في التعبير عن الزوج المصري التقليدي في ذاكرة التاريخ مستخدما إمكاناته كمطرب مقدما ،معاناته في الزواج مع النجمة الشابة كاتيا وخفة ظله في مشهد كورنيش النيل
كشفت النجمة الشابة كاتيا عن قدرتها في تقديم نفسها كممثلة كوميدية من طراز رفيع حيث تم توظيفها بمشهدين غاية في الجمال والاختلاف الزوجه الزنانة في مشهد متابعة كرة القدم مع زوجها ومشهد الزوجه الفيمنست التي تمتص وتستنزف قدرات زوجها وكشفت النقاب عن قضية هي الأكثر في التداول، عن “الزوجة الفيمينست” التي لا تهتم سوى بنفسها، وتهمل كل أعمال البيت، تاركة أداءها لزوجها، تحت إغرائه بجمالها،
فيما تألقت بوسي براهيم، في مشهد الكورنيش وهي تجسد بنت الرجل الثري وقد كشفت بأنها فنانة واعدة بإحساسها بالشخصية، وأدائها التعبيري المميز بصوتها شديد الأنثوة، ودلالها،
كان الفنان القدير أحمد حداد أحد أعمدة هذا العرض وتنقل بين شخصية رجل الأعمال والمراكبي بعبقرية تذكرنا بعمالقة نجوم مسرح الستينات بشكل معاصر بخفة ظل وكوميديا ليست بالتقليدية وعندما علمت بأنها المرة الأولي له التي يقف فيها علي خشبة المسرح كانت الصدمه ممزوجه بالانبهار
وكان الفنان الشاب إبراهيم إربا طاقة فنية غير عادية رغم ظهوره بمشهد صغير غير أنه من المستحيل أن تنسي طاقته التمثيلية الكبيرة فهو نجم قادم في سماء الفن
الفنان القدير أحمد رحومه صاحب التاريخ المشرف في المسرح ساهم في وضع الإضاءة بشكل جعل العمل لوحة الإبداع بتناسق متنازلا عن ثلاث مشاهدة له لصالح أن يخرج العمل بهذه الروعه
كما يُحسب لمخرج العرض دفعه بجرأة لوجوده شابة جديدة، اختارهم بعينه الثاقبة، واعتنى بهم، وصقل مواهبهم في ورشه التمثيلية، ثم قدمهم، ليكسبهم الثقة، فجاء أداؤهم متناغمًا، ومبشرًا بكوادر جديدة على مستوى جيد جدًا، مثل هبةعبداللطيف، منى_مصطفى، سالي_الغمراوي، مشاعل، شهد ، جنى_ناصر، التي دفع بها والدها مبكرًا إلى عالم المسرح؛ لتأخذ وقتها الكافي في النضج الفني، مستعينة بخبراته الثرية كفنان، ومخرج.
أما مفاجأة العرض، والتي حرصت على أن أخصها في فقرة بعينها، فهي الفنانة الشابة آمال_محمود، التي خصها ناصر بمشهد مستقل، بمفردها، جسدت فيه شخصية الفتاة المصابة بالسرطان، ولكنها تعاني إهمال والدها، ولا مبالاته، حتى يرحل عنها، فلا تتذكر له سوى تلك اللحظات الأليمة، دخلت آمال المشهد بثبات، واتزان انفعالي، بلا خوف، أو وجل؛ فكانت عند حسن الظن، وقدمت أداء واثقًا، مفعمًا زهءىى، على مجهوداتها لمتابعة كل صغيرة، وكبيرة، في القاعة، سواء على خشبة المسرح، أو بين مقاعد الجماهير، وقياس ردود أفعالهم، وإحساسهم بكل مشهد.
وأخيرًا برع ناصرعبدالحفيظ في اختيار النص المناسب، لعمله، من الكتاب الأكثر مبيعًا في العالم “رِجَالٌ من المريخ ونساء من الزهرة” لمؤلفه جون جراي، وقام بصناعة نصه المسرحي الخاص من الواقع المصري والعربي الحي الذي نعيشه، فسلط الضوء على قضية “التفكك الأسري”، بمضمون هادف، مقدمًا أسباب المشكلة، ومقترحًا حلولًا لها، على هيئة رسالة إلى الأفراد، والمجتمعات، والحكومات، والدول، بأسلوب معاصر، يتناسب مع رؤية الجيل الجديد، وتميزت المشاهد ببساطة السهل الممتنع، والتنوع، تاركًا زط للمشاهد.
كلمة أخيرة، مسرحية “متجوزين وللا ..؟!” مسرحية جذابة تجمع كل نكهات العمل المسرحي، زكى بالمشاهدة، وأعتبرها نقلة معاصرة في عالم المسرح، نجح فيها أخي وزميلي وصديقي الغالي ناصر_عبدالحفيظ في إلقاء حجر في المياه الراكدة، علها تحفز الحركة الفنية في بلدنا على العودة للإبداع، فله مني خالص التمنيات، والدعوات، بمزيد من التوفيق، والنجاح، والإبداع.
ورغم قتامة القضية المتناولة؛ فإن العمل استطاع أن يقدم جرعة مكثفة من الطاقة الإيجابية، والبهجة ،والتفاؤل؛ في إطار الكوميديا الغنائية الإستعراضية التي استخدمت لتقليب تربة فكر، ومشاعر، ووجدان الجمهور المتلقي، ليراجع نفسه ألف مرة قبل النطق بكلمة “الطلاق”، رغبة منه في الحفاظ علي تماسك الأسرة، وعدم الانحراف إلي حافة الانفصال، ودق ناقوس الخطر حول مصير المستقبل في مصرنا، وعالمنا العربي، إذا استمرت أعداد المطلقين في التزايد.