ثقافةعاجل

” نور يملؤه الظلام ” .. يكتبها الدكتور عصام كمال المصري

 

 

نعم كما قرأت أعلاه ( نور يملأه الظلام ) ليس هناك خطأ إملائي , لا تتعجب وتعالي إليَّ كي أخبرك بما تطوق له , وهات قلبك قبل العين لتقرأ سطور كلماتي ولا تتعجل الحُكم إلا في النهاية , لا تتسرع أرجوك … كي نتفق أو نختلف , فإن اتفقنا فهو أمر يسعدني بلا شك , وإن اختلفنا فلعلك تهديني إلي الصواب فأتعلم ,, ودع إجابتك في نهاية المقال كي أبوح لك بما أريد , وأقول … مواقف كثيرة نمر بها في معترك الحياة بين أمل وألم , انتصار وانكسار , سعادة وحزن , لقاء وفراق , كثيرة هي المواقف وكثيرة أيضا الثمار التي نقطفها جراء التعلم من هذه المواقف التي تهز عرش نفوسنا البريئة , فنأخذ منها دروس وعبر , أمثال وحكم , غير أن هناك مواقف تحفرها بعض الأشخاص فوق جدران القلب الممزق تكون كالنقش الفرعوني الأصيل الذي لا تتغير معالمه , ولا تتلاشي ألوانه مهما مرت السنين , وتغيرت الأحوال , مواقف سلبا وإيجابا , والأصعب من هذه المواقف – بلا شك – هو مرحلة التيه عن النفس , فمساحات التيه متجذرة في عمق حياتنا دون إرادة منا , بفعل الفوضى الإنسانية الّتي تعبر عنها السلوكات الأخلاقيّة ، مساحات نكون تائهون فيها بقوة وعنف , نبحث عن الطريق الذي يقودنا إلى الخروج من النفق لنري النور الذي يبدد الظلام الحالك حولنا ، فمنا من يهتدي بعد بحث وعناء ، ومنا من يقضي عمره يتخبط بين السبل فلا يجد له سبيلا ينجيه . وحين ذلك يكون لا مكان لقيمة مشاعرنا الإنسانية بداخلنا , التي تقع صريعة وسط صراخ وعويل كل ما ممرنا به من ذكريات مؤلمة حقا .

في مرحلة التيه نظن أن من يحبنا سيحبنا حتى ونحن غارقون في ظلامنا ، حتى ونحن ممزقين بالندوب والجراح النفسية الغائرة ، حتى ونحن مبعثرين هنا وهناك في يوم شديد الرياح , ثم فجأة نكشف أننا كنا في حلم وردي , انتهي حين يقظتنا , فمن ذا الذي سيجازف بالبقاء إلى جانبنا كل ليلة ونحن دائموا السقوط , أصحاب مزاج متقلب وعصبية مفرطة , لا أحد يخاطر ويدخل يده في جب بئر من أجل عيوننا ومشاعرنا المرهفة لينشلنا من الضياع ، فحتى أخوة يوسف تركوه , أفلا يتركنا الرفاق حتى ونحن علي بُعد خطوات من نهاية سباق الحياة نفسها ؟!! للأسف الجميع يفضلنا بنسختنا السعيدة فقط ، الظلام لنا وحدنا يا صديقي ..! كان علينا أن نتعلم أنه ليس كل ما نمر به وجب علينا التقاطه .

ربما أسوأ لحظاتنا تلك التي نكتشف فيها أننا أشخاص عاديين بالنسبة لمن حولنا ، لا يميزنا شيء , ولا يأبه لنا العالم , ولا نثير اهتمام ولو مصطنع ، حين نكتشف أننا مؤهلين تماماً للرفض المهين بعد الرحلة الطويلة . غير أن عزائنا الوحيد بعد كل هذه الخيبات ، وبعد كل حالات الفقد الموجعة ، أن ثمة شعور ما بداخلنا ينضج حد الإثمار ، ثمة صورة مزيفه بداخلنا تنكسر ، ثمة مبادئ اختبرت وفشلت فشلا زريعا , وأماكن أصبحت شاغرة بعد أن كانت مكتظة بالرفاق من حولنا. في النهاية ندرك أن بعض الأشياء بـالصد نمتلكها , تخيل بالصد نملكها , نعم كما قرأت لا تتعجب , وحينها يأتي انعدام رغبتنا تجاه كل الأشياء التي أدمناها , الأمر الذي يعد حينها أعظم انتصار لنا , لأننا انتصرنا لروحنا المثقلة المرهقة , نفوسنا التي أرهقناها في معركة اللاشئ واللامعقول.. نراقب عن كثب تفلت العمر منا كتفلت الماء من بين الأصابع ، أحوالنا ظاهرة لنا نعرفها لكننا نستمرئ الغفلة , ونسير مع الجموع , ونبحر مع الموجة العالية من حب الدنيا وملذات الحياة ، فالناس بين سائر للنور وتائه في الظلمات ، هنا فقط !! نرى الحياة رأي الأعشى للطريق في ليلة حالكة السّواد ، حتّى نستنزف نفوسنا النقية فتغدو كتربة قد أصابها الجفاف فتشققت وقاربت حدّ البوار المؤلم . فلا تحزن أبدا للنهايات المؤلمة كما قال دوستويفسكي : ( عادتي السيئة هي أنني دائما ما أرى نهاية الأشياء منذ بدايتها .. ومع ذلك أكمل الطريق حتى آخره .. لأتأكد من ذكاء غبائي )

عزيزي القارئ …. الذين حدثوك أنك تغيرت كثيرا , لا تبرر لهم , لا تهتم برأيهم , لا تحزن لفظاظة قولهم , دعهم وأوهامهم , لظنونهم , دعهم لا يعرفون أنك انتصرت على أوهامك عندما اخترت أن تسلك الطريق الصحيح بعيدا عنهم حتي ولو كنت في ذاك الطريق الوعر وحيدا , كما قال دوستويفسكي : ( أن تخطـئ فـي طريقـك الخـاص , أفضـل مـن أن تسيـر بشكـل صحيـح فـي طريـق شخـص آخـر ) لذا إن سمعتهم يقولون بأن الدرب وعر، فقل إنما وعر الطريق لأرجل العظماء . الذين حدثوك أنك تغيرت كثيرا لا يعلمون أنك استطعت الهروب من ذاك الشبح الذي تركه أحدهم بداخلك ، ظناً أنك تهرب من الضجيج إلى العدم ، والعدم يفزعك حد الموت خوفا .. فلا تعبئ بهم صدقني , فلا هدوء في الهدوء كما تظن … !! ثق بذلك ؛ لأن الهدوء فرصة سانحة لاشتعال نيران التفكير في كل ما مضي حلوه ومره , خيره وشره . فرصة في التفكير في كل الأمور الفارقة التي أدت إلى النهاية المؤلمة بالبعد عنهم التي لا تليق بك ولا بما قدمته ، الكلمات ، والنظرات , والهمسات ، كل الأمور الفاصلة التي خالفت التوقعات فطرحتننا أرضا ولكننا لم ننكسر ، لا ننتظر فيها سوي شيئاً واحداً ، تلك القشة الناجية التي تأخذ بنا إلي بر الأمان وهو باب الله في العودة من جديد كما كنا أنقياء كالطفولة البريئة , ويوما ستتحقق هذه الأمنية ثق بي في ذلك !! ولا تسألني من أين جئت بهذه الثقة ؟!! صدقني يا رفيقي …. سوف يكتمل مثلث الحياة – يوما ما – لدينا جميعا مهما ظل غائباً , حين تلتقي بمن يحبك علي كل حالاتك , عيوبك قبل مميزاتك , خوفك قبل أمانك واحتمالاتك , ذاك هو الضلع الثالث والأهم والأخطر في مثلث الحياة .. حين نجد الأمان مع من يشترينا مهما غلا الثمن رغم عيوبنا , ويراهن علينا مهما كانت المقدمات مخيبة ولا تؤدي إلي أي نتائج مبشرة بالخير لكنه راهن بكل قوة , من يثق فينا حد اللامتناهي بل حد اللامعقول , حينها فقط ستدرك عزيزي القارئ أننا نعيش في نور حقيقي من الحب والعطاء , حين اقتسام بعض نفسك مع شخص أخر أقرب إليك من نفسك . إنه الإحساس الصادق الذي يجعل الإنسان أكثر رقيا وترفعا إنه النبل والفضيلة حينما يتجسدان علي أرض الواقع وليس في سماء لا تستطيع الوصول إليها . حينها ندرك المعني الحقيقي للنور الذي لا تخشاه عيوننا , وليس نور وهمي زائف نور يملأه الظلام ..!! عزيزي القارئ أعتذر في الإطالة عليك , وفي النهاية هل اتفقنا ؟!! أتمني ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى